Superior Woman, Inferior Man, in Islam

Superior Woman, Inferior Man, in Islam

Saturday, January 21, 2012

الربيع العربي من منظور إسلامي

شهدنا في الآونة الأخيرة ما يسمى بثورات "الربيع العربي". وحيث أن هناك جدل متصاعد حول آثارها وما إذا كانت هذه الآثار إيجابية أم سلبية على العالمين العربي والإسلامي وما إذا كانت هذه الثورات يجيزها الإسلام وما إذا كانت تقدم الحل الصحيح للوضع العربي المتردي أصلا في العصر الحديث، فقد حاولت بحث الموقف الإسلامي من هذه الثورات ومناقشة ما إذا كانت هذه الثورات تمثل حلا مناسبا للمشهد العربي الذي أصبح من الأمور التي يرثى لها في الواقع البشري.

وبدون الحاجة إلى الخوض في نموذج بعينه لإحدى هذه الثورات، سأقدم مناقشة لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الإسلامية والمخرج لها في حالة الزيغ عن النموذج الإسلامي الصريح في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبادئ ذي بدء، علينا أن نقر بالحاجة إلى وجود الحاكم في المجتمع الإنساني. فعلى الرغم من أن أديانا مثل الدين الإسلامي تفصل حقوق وواجبات كل فرد بالمجتمع الإسلامي وكيفية ضمان المصلحة العامة ودرء المفسدة العامة، إلا أنه لازال هناك حاجة لشخص ما يتولى التأكد من أن كل فرد في المجتمع يتلقى حقوقه من إخوانه وأنه يؤدي واجباته على أكمل وجه حتى يحصلوا هم أيضا على حقوقهم منه وحتى يكون هذا الشخص العقل المدبر الذي يحقق المصلحة العامة لرعيته ويبعد أي نوع من أنواع الضرر عنهم.

يتكون أي مجتمع إنساني من أفراد ذوي خلفيات وطرق تفكير وثقافات مختلفة. ومهما فصلت حقوقهم وواجباتهم ومهما حددت أو أقرت حدود حرياتهم، قد يطالب بعض هؤلاء الأفراد بمزيد من الحقوق بدون وجه حق، كما قد يقصروا في أداء واجباتهم تجاه إخوانهم في المجتمع أو يتجاوزا الحدود المقررة لحريتهم، وبالتالي ينتهكون حريات غيرهم.

ولذلك، لابد من حاكم لتنظيم حركة المجتمع وتقنين تصرفات أفراده، كما أن عليه أن يتأكد من أن كل فرد في هذا المجتمع يتلقى ما يستحقه من حقوق بدون المطالبة بمزيد من الحقوق غير المستحقة وبدون سلب بعض الحقوق الواجبة لهذا الفرد ظلما وعدوانا على يد أحد إخوانه في المجتمع. وعلى هذا الحاكم أيضا أن يتأكد من أن كل فرد يؤدي واجباته التي هي في حقيقة الأمر حقوق لإخوانه من أفراد المجتمع الآخرين دون التقصير في أي واجب من هذه الواجبات. وعليه أيضا أن يضمن أن كل فرد يمارس حريته الشخصية ممارسة كاملة دون التعدي على حريات الآخرين أو تعدي الآخرين على حريته. وبهذا يحافظ هذا الحاكم على التوازن والنظام والعدالة في مجتمعه.

وحتى يؤدي هذا الحاكم هذه المهمة على أكمل وجه، لابد أن يتمتع هذا الحاكم ببعض الخصائص التي يفترض أن تؤهله لأداء هذه المهمة. فمن المفترض أن يكون هذا الشخص أكثر أفراد المجتمع أو على الأقل من أكثر أفراد المجتمع تدينا وكفاءة وأهلية وجدارة بالثقة. ولقد تجسد ذلك النموذج في النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من بعده.

ولأن كل ابن آدم خطاء، فقد يخطئ هذا الحاكم كما قد يصيب. ولذلك، فهناك حاجة أيضا إلى هيئة استشارية تقدم له المشورة اللازمة لمنظومة سليمة لاتخاذ القرار. ولابد أن يكون أعضاء هذه الهيئة على نفس القدر الذي يتمتع به الحاكم من الخبرة والكفاءة والأهلية والأمانة، على أن يلتزم هذا الحاكم بمشاورة هذه الهيئة والاستجابة إليها وطلب المشورة منها كلما تطلب الأمر ذلك بل والنزول على هذه المشورة إذا كان فيها مصلحة للرعية. فلقد كان من الواجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وهو أكمل الخلق مشاورة أصحابه فيما لم يرد به نص عملا بقوله تعالى: "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله" (آل عمران: 159).

وبهذه الطريقة، تضمن الحكومة أن كل فرد بالمجتمع يحصل على حقوقه ويؤدي واجباته ويمارسه حريته بشكل كامل مع مراعاة تحقيق المصلحة العامة ودرء المفسدة العامة قدر الإمكان.

ومع ذلك، قد يصبح الحاكم وبطانته أحيانا من شرار الخلق. ولا يكون ذلك إلا عندما تصبح الرعية نفسها من شرار الخلق أيضا. فمن غير المتصور أن يحكم أمة صالحة حاكم طالح أو حكومة طالحة. فالأنظمة الحاكمة ما هي إلا نخبة انتقائية من المجتمع. فإذا كانوا من شرار الخلق، فلا يكون مرجع ذلك إلا إلى حقيقة لا مفر منها وهي أن غالب أفراد المجتمع من شرار الخلق، فكانت النتيجة أن كانت صفوتهم ونخبتهم من شرار الخلق مثلهم.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" (الأنعام: 129). ويذكر أن رجلا من الخوارج جاء إلى على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وقال له: يا على، ما بال الناس انتقضوا عليك ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر؟ فقال له: إن رجال أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أنا وأمثالي، أما أنا فكان رجالي أنت وأمثالك، أي: ممن لا خير فيه.

ويذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع مقالة الناس فيه، فجمع أشراف الناس ووجهاءهم وكلمهم ـ وأظنه عبد الملك بن مروان ـ وقال لهم: أيها الناس، أتريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر؟ وقالوا: نعم! فال إذا كنتم تريدون ذلك فكونوا لنا مثل رجال أبي بكر وعمر!! فالله سبحانه وتعالى حكيم، يولي على الناس من يكون بحسب أعمالهم، إن أساؤوا فإنه يساء إليهم، وإن أحسنوا أحسن إليهم .

ومن هذا المنطلق، يمكننا القول بأنه عندما يتولى شرار الخلق زمام الأمور بمجتمع ما، فإن هذا مؤشر على وجود العديد من العلل الدينية والأخلاقية والاجتماعية المتفشية في هذا المجتمع. ولن تعالج هذه العلل بالإطاحة بالنظام الحاكم لأن هذا العمل لن يجدي في مثل هذه الأحوال ويرجع السبب في ذلك ببساطة إلى أن النظام البديل سيكون قوامه أيضا من شرار الخلق طالما أن المجتمع لم يخضع لمنظومة إصلاح مطردة ولم يشهد تغييرا جذريا، ناهيك عن الفوضى والاضطراب اللذين ينجمان عن غياب النظام في المجتمع. فالنظام الحاكم في حالة دول الربيع العربي على الأقل مرادف للنظام العام في الدولة. ومن ثم، فإن الإطاحة بنظام الحكم تعني نشر الفوضى والاضطراب في المجتمع، ولا يخفى على أحد أن ذلك أضر على المجتمع من مظالم هذه الأنظمة مهما كان ضررها. وتتجلى هذه الفوضى والاضطراب وانعدام الاستقرار بكل وضوح فيما نشهده الآن فيما يسمى بدول الربيع العربي ولاسيما مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين.

وللأسف، زاد ما ذكرناه من حالة انعدام النظام من المظالم وفاقم من الأوضاع المتردية بالفعل في العالم العربي. فمنذ اندلاع الثورة في مصر على سبيل المثال، جرت العادة بأن يطالب كل فرد بالمجتمع بمزيد من الحقوق التي لا حق له فيها من الآخرين وأن يقصر في واجباته تجاههم وأن يفرض وجهات نظره وتوجهاته سواء فيما يتعلق بالشئون الداخلية أو الخارجية على الآخرين وأن يطالب بحرية مطلقة لا تعرف حدودا، ومما لا شك فيه أن ما لذلك من مفاسد قد فاق ما له من مصالح على المستويين الفردي والمجتمعي.

ولحسن الحظ، أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالمخرج من هذا المأزق. فعن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها" قالوا "فما تأمرنا يا رسول الله" قال "أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم". (رواه البخاري في صحيحه)، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية". (رواه البخاري في صحيحه)، وفي رواية "من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهليةً".

ويمكننا أن نستخلص مما سبق من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي يحض المسلمين على معالجة السبب قبل المسبب. فالسلطان الجائر أو الحكومة الجائرة ما هما إلا مجرد مسببان، أما الأمة الظالمة لنفسها فهي السبب. ومن ثم، فإننا إذا استطعنا التغلب على المسبب، فقد يتمخض السبب عن مسببات أخرى. أما إذا تغلبنا على السبب، فلن يكون هناك أية مسببات أخرى بعد.

ويصف النبي صلى الله عليه وسلم الحل الصحيح. فهو يشير ضمنا إلى أن السلطان الجائر لا يوسد الأمر إلا إذا كان أفراد الرعية لا يؤدون الحقوق لبعضهم البعض، بمعنى أنهم يقصرون في واجباتهم تجاه بعضهم البعض. وبالتالي، فإنهم إن أدوا واجباتهم تجاه بعضهم البعض أولا، فلهم حينئذ أن يسألوا الله حقوقهم. وحينئذ، سيجعل الله لهم مخرجا ويمكنهم من الحصول على حقوقهم.

وفي أكثر من موقف، حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج على الحاكم المسلم أو نظامه لأن ذلك سيكون له تأثير أخطر بكثير من الظلم الذي كان يمارسه هذا الحاكم أو النظام. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد اطلع على واقع العرب الآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام.

وعليه، فإن نشر العدل والعدالة والمساواة أمر راجع إلى الرعية أولا ثم الحاكم. فإذا ما أرادت الرعية إقامة هذه المبادئ وفرضها، فلن يستطيع الحاكم أن يعارضها ولن يكون منه إلا أن يستجيب لها. إنها الإرادة الشعبية التي تلهم الحكومات وتوجهها وليس العكس. فليس لحاكم أن يرعى الظلم إلا عندما تقبل الرعية ذلك أو لا تقاومه على الأقل.

وهكذا، فإذا ما باتت أمة تأن من وطأة سلطان جائر، فلتتيقن من أن ذلك مرده إلى عدم أداء كل فرد بها لواجباته على ما يرام. وينبغي أن ينظر إلى ذلك على أنه السبب الذي ينبغي التعامل معه أولا وقبل كل شيء. فحتى ينعموا بالعدل، على هؤلاء الأفراد أن يؤدوا واجباتهم على أكمل وجه أولا. ألا يستحي إنسان من أن يطالب بحقوق كاملة بدون أداء الواجبات بإتقان. يقول الله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" (التوبة: 105)

فإذا افترضنا أن أفراد مجتمع ما يؤدون واجباتهم تجاه بعضهم البعض على أكمل وجه، فمن البديهي أن كل فرد منهم سيتلقى حقوقه كاملة من إخوانه. فالظلم في المجتمع إنما ينشأ من التقصير في الواجب أو سوء أداء هذا الواجب من جانب عدد كبير من أفراد المجتمع وهم من يستخدمهم الطغاة لنشر الظلم بين العباد. ومن ثم، فإنه كلما أدى الأفراد واجباتهم بإخلاص، كلما قلت فرص الظلم وزادت فرص العدل لأن الطغاة لن يجدوا من الناس من يستعينوا بهم على نشر ظلمهم.

وبناء عليه، فإن العدل قد تفرضه مبادرة شعبية يطلقها أفراد المجتمع بشكل غير رسمي. وعندئذ سيستجيب الحاكم لرعيته مهما بلغ من الاستبداد والطغيان. وجدير بالذكر في هذا المقام أن نشير إلى دور أهل الحل والعقد في إصلاح هذا الحاكم وإقناعه بالاستجابة لمطالب شعبه. عن أبي سعيد الخدرى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر". (رواه الترمذي)

فإذا باءت الإرادة الشعبية وجهود أهل الحل والعقد في إصلاح السلطان الجائر بالفشل، فبإمكان الأمة الآن مقاومة شروره لأن شوكتهم ستكون أقوى من شوكته. وقد تدعو الضرورة إلى خلع هذا السلطان، وفي هذه الحالة سيخلع بكل سهولة لأن المسألة حينئذ ستكون مسألة استبدال واحد أو نيف من أولي الأمر وليس إطاحة بنظام حكم كامل. وهكذا ستظهر الإرادة الشعبية الصالحة على الطغيان بأقل خسائر وأكثر مصالح.

وأخيرا، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وأطيعوا الله والرسول ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" (الأنفال: 46). 

No comments:

Post a Comment